الـصّــبـــر ... أنـواعــه ... مـراتـبـه
قـال الله تـعـالـى :
{ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ... الـكـهـف : 28 } .
الـصـبـر هـو :
حـبـس الـنـفـس عـن الـجـزع والـتـسـخـط ، وحـبـس الـلـسـان عـن الـشـكـوى ، وحـبـس الـجـوارح عـن الـتـشـويـش .
قـال شـيـخ الإسـلام ابـن تـيـمـيـة رحـمـه الله :
الـصـبـر عـلـى أداء الـطـاعـات أكـمـل مـن الـصـبـر عـلـى اجـتـنـاب الـمـحـرمـات وأفـضـل ، فـإن مـصـلـحـة فـعـل الـطـاعـة أحـب إلـى الله مـن مـصـلـحـة تـرك الـمـعـصـيـة ، ومـفـسـدة عـدم الـطـاعـة أبـغـض إلـى الله وأكـره مـن مـفـسـدة وجـود الـمـعـصـيـة .
أنـواع الـصـبـر
( 1 ) الـصـبـر بـالله .
وهـو أن يـكـون الـبـاعـث لـلـعـبـد عـلـى الـصـبـر الاسـتـعـانـة بـالله ورؤيـتـه أنـه هـو الـمُـصَـبـِّـر وأن صـبـر الـعـبـد بـربـه لا بـنـفـسـه ، كـمـا قـال الله تـعـالـى { وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ ... الـنـحـل : 127 } . يـعـنـي : إن لـم يُـصـبـِّـرك الله لـم تـصـبـر .
( 2 ) الـصـبـر لله .
وهـو أن يـكـون الـبـاعـث لـلـعـبـد عـلـى الـصـبـر مـحـبـة الله وإرادة وجـهـه ، والـتـقـرب إلـيـه ، ولـيـس لإظـهـار قـوة الـنـفـس ، وطـلـب ثـنـاء الـنـاس عـلـيـه ... وغـيـر ذلـك مـن مـثـل هـذه الأمـور .
( 3 ) الـصـبـر مـع الله .
وهـو أن يـكـون تـوجـه الـعـبـد مـع مـراد الله الـديـنـي مـنـه ، ومـع أحـكـامـه الـديـنـيـة ، صـابـرًا نـفـسـه مـعـهـا، سـائـرًا بـسـيـرهـا ، مـقـيـمـا بـإقـامـتـهـا ، يـتـوجـه مـعـهـا أيـن تـوجـهـت بـه ، ويـنـزل مـعـهـا أيـن نـزلـت بـه .
بـمـعـنـى أنـه قـد جـعـل نـفـسـه وقـفـا عـلـى أوامـر الله ومـا يُـحـب ، وهـو أشـد أنـواع الـصـبـر وأصـعـبـهـا ... وهـو صـبـر الـصـدّيـقـيـن .
قـال الله تـعـالـى :
{ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ... الـبـقـرة :153 } .
{ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ... الـبـقـرة : 155 } .
قـال أبـو عـلـي الـدقـاق ... فـاز الـصـابـرون بـعـز الـداريـن لأنـهـم نـالـوا مـن الله مـعـيّـتـه وبـشـارتـه .
مـراتـب الـصّــابـريـن
( 1 ) الـصـابـر . وهـو أعَـــمّ وأشـمـل .
( 2 ) الـمُـصـطــبــر . وهـو الـمـكـتـسـب الـصـبـر الـمـلـيء بـه .
( 3 ) الـمُـتـصـبـر . وهـو الـمـتـكـلـف حـامـلٌ نـفـسـه عـلـيـه .
( 4 ) الـصـبــور . الـعـظـيـم الـصـبـر الـذي صـبـره أشـد مـن صـبـر غـيـره .
( 5 ) الـصـبّـار . الـكـثـيـر الـصـبـر
أقــوال فـي الـصّــبــر
قـال عـلـي بـن أبـي طـالـب رضي الله عـنـه :
الـصـبـر مـطـيـّـة لا تـكـبـو .
قـال الـجـنـيـــد :
الـمـسـيـر مـن الـدنـيـا إلـى الآخـرة سـهـل هـيـّـن عـلـى الـمـؤمـن ، وهـجـران الـخـَـلـْـق فـي جـنـب الله شـديـد ، والـمـسـيـر مـن الـنـفـس إلـى الله صـعـب شـديـد ، والـصـبـر مـع الله أشـد .
وسُـئِـل عـن الـصـبـر فـقـال :
تـجـرّع الـمـرارة مـن غـيـر تـعـبـّـس .
قـال ذو الـنـون الـمـصـري :
الـصـبـر ، الـتـبـاعـد مـن الـمـخـالـفـات ، والـسـكـون عـنـد تـجـرّع غـُـصَـص الـبـلـيـّـة ، وإظـهـار الـغـنـى مـع حـلـول الـفـقـر بـسـاحـات الـمـعـيـشـة .
قـال عـمـرو بـن عـثـمـان :
الـصـبـر هـو الـثـبـات مـع الله ، وتـلـقـّـي بـلائـه بـالـرحـب والـدّعـة .
قـال الـخــوّاص :
هـو الـثـبـات عـلـى أحـكـام الـكـتـاب والـسّـنـّـة .
قـال الـجـريـري :
الـصـبـر أن لا يُـفـرّق بـيـن حـال الـنـعـمـة وحـال الـمـحـبـة ، مـع سـكـون الـخـاطـر فـيـهـمـا . والـتـصـبـر هـو الـسـكـون مـع الـبـلاء مـع وجـدان أثـقـال الـمـحـنـة .
فوائد الصبر
وعن أنس رضي الله عنه قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( إن الله قال : إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة ) رواه البخاري وفي رواية للترمذي ( فصبر واحتسب ) .
وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( يقول الله سبحانه : ابن آدم إن صبرت واحتسبت عند الصدمة الأولى لم أرض لك ثوابا دون الجنة ) رواه ابن ماجة حسنه الألباني .
ضرورة الصبر
ولهذا فإن خير ما تواجه به تقلبات الحياة ومصائب الدنيا ، الصبر على الشدائد والمصائب ، الصبر الذي يمتنع معه العبد من فعل ما لا يحسن وما لا يليق ، وحقيقته حبس النفس عن الجزع ، واللسان عن التشكي ، والجوارح عن لطم الخدود ونحوها ، وهو من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ، وقد ذُكر في القرآن في نحو تسعين موضعاً - كما قال الإمام أحمد - وما ذاك إلا لضرورته وحاجة العبد إليه .
أنواع الصبر
والصبر أنواع ثلاثة صبر على الأوامر والطاعات حتى يؤديها ، وصبر عن المناهي والمخالفات حتى لا يقع فيها ، و صبر على الأقضية والأقدار حتى لا يتسخطها ، وهذه الأحاديث القدسية في النوع الثالث من أنواع الصبر وهو الصبر على أقدار الله المؤلمة .